Friday, September 23, 2011

قراءة في كتاب "الكتاب و القرآن"


العنوان : الكتاب والقرآن
المؤلف : الدكتور محمد شحرور
السلسلة : دراسات إسلامية معاصرة
الناشر و التاريخ : دار الاهالي - الطبعة الأولى1990
ملاحظة : من الممكن مطالعة الطبعة الجديدة من  هذا الكتاب مباشرة في موقع الدكتور محمد شحرور : ـ http://www.shahrour.org/

 ـ 1) ما استخلصته من الكتاب : ـ

يتميز الكتاب ببنائه على أساس منهجية علمية  تعتمد على ادوات لسانية و لغوية رصينة. إنطلاقا من هذا التقعيد النظري المطروح في أول الكتاب، يعمد الكاتب إلى تعريفات دقيقة لمصطلحات قرآنية مثل الكتاب، القرآن، أم الكتاب، السبع المثاني، و غيرها من المفردات القرآنية. كما يصنف الدكتور محمد شحرور آيات القرآن الكريم إلى محكم، متشابه و مفصل و يعطي تعريفات مقنعة و غير مسبوقة لهذه المصطلحات.
بعد هذه التعريفات و المصطلحات سيتمكن الكاتب من عرض نظرية القرآن الكريم في الوجود الإلاهي و الكون، نظرية المعرفة، نظرية الأخلاق، التشريع، الإقتصاد و الجمال و الفن !  كل هذا في ما يقارب الثمانمائة صفحة من القطع الكبير.
أعجبت أيضا ببعض الآليات اللغوية الخصبة التي استخلصها المؤلف من آيات القرآن الحكيم و طبقها على كثير من المواضيع الاجتماعية فمكنته من اسنتاج فقه حداثي جميل و ضارب جدوره في أصول الذكر الحكيم. من بين هذه الآليات المعرفية الخصبة أذكر على الخصوص جدلية الإستقامة و الحنيفية. لإن كان معنى الإستقامة و اضحا فمغزى الحنيفية كنت أجهله تماما. يعرف الدكتور شحرور الحنيفية بمعنى الإنحناء  و التغير في مقابل الخطية و الثبات في الإستقامة. كما يقيم الكاتب تشبيها لهذه الجدلية في ميدان التحليل الرياضي بما يسميه الكاتب التوابع 
y=f(x)  
ونسميه في المغرب الدوال العددية. و يعطي نماذج لهذه الدوال في الحدود و المواريث.

بالطبع من العسير جدا تلخيص كل المواضيع أو النتائج التي توصل اليها الباحث في هذا الكتاب لكن سأعرض فقط للمواضيع التي أثارت انتباهي إما لطابعها الجديد أو لكونها موضع جدل معروف : ـ

ـ1ـ  السبع المثاني هي سبع من فواتح السور ذات الحروف المقطعة مثل الم، المص،كهيعص و هي أيضا 
2 x 7 = 14
حرفا أو صوتا  مستخلصة من فواتح السور أيضا
ـ2ـ تأويل قصة آدم بما يتناسب مع العلم الحديث و نظرية التطور على الخصوص. فآدم ليس أول من خلق من البشر يل هو كناية عن مجموعة من البشر بلغوا من التطور قدرا يأهلهم لعملية "الأنسنة" التي عبر عنها القرآن بالنفخ الروحي. و يمضي تطور الإنسان و لغته حتى يبلغ مرحلة متطورة لغويا تمكنه من تلقي الرسالة مع نبي الله نوح عليه السلام. يبين الكاتب أن الطوفان كان فقط في منطقة معينة و ليس  في الﻷرض كلها و أن الحيوانات المحمولة هي فقط الحيوانات الأليفة آنذاك مما يجعل قصة الطوفان أقرب إلى العقل الحديث. كما يستنتج الكاتب أن مقولة السامية التي تقضي أن العرب و اليهود يلتقون في جدهم الأعلى سام ابن نوح ، هراء لا أساس له. فبعض العرب و بعض اليهود هم من أبناء آدم و ليسوا من سلالة نوح عليه السلام.

ـ3ـ لا بد من إعطاء السنة النبوية بعدها الإنساني المحدود و تنقيتها من كل ما ينافي العقل و اعتبارها تطبيقا للقرآن في مرحلة زمنية و ظروف معينة لا تتسم بالإطلاق.

ـ4ـ فيما يتعلق بالمواريث هناك حد أعلى و آخر أدنى فمن الممكن جدا أن يتعادل نصيب المرأة و الرجل أو يكون للمرأة نصيبان و للرجل نصيب واحد أي عكس ما يعمل به عادة

ـ5ـ  الربا المحرم هو ما فاق 100 في 100 خلال المدة الكاملة للقرض أما ما دون ذلك فلا حرج فيه

ـ6ـ الخمر غير حرام و الإجتناب أقل من التحريم لغة

ـ7ـ ما يحرم من إظهار جسم المرأة هو الجيوب غير الظاهرة كالفرج و الإليتين و ما بين أو تحت الثديين و تحت الإبطين. أما ما عدا ذلك فداخل في إطار الحشمة و اﻷعراف الاجتماعية و لا علاقة للحلال و الحرام به.

ـ8ـ العلاقة بين الرجل و المرأة متكافئة تماما و المعاملة أو النظرة الدونية لها من طرف بعض المسلمين ناتجة عن فهم لغوي خاطئ لبعض الآيات. مثلا آية الضرب في سورة النساء المقصود بالضرب ليس اللطم او الوكز أو الركل و إنما المقصود هو إتخاذ موقف علني (و شفوي) صريح من طرف الرجل اتجاه المرأة، أو العكس. أما النشوز المذكور قي الآية فالقصد منه الإنحراف الجنسي من جانب الرجل أو المرأة. أما كلمة النساء في آية "زين للناس حب الشهوات" في سورة آل عمران فهو جمع نسئ و هو لغة يعني المتأخر  أو ما يسمى اليوم ب"الموضة" ... أما البنين في نفس الآية فالمقصود هو اﻷبنية و إلا فلا معنى أن يجمع الله في مرتبة واحدة الشهوات بين المرأة و الولد و الذهب و الفضة و الخيل ...ـ

ـ9ـ للكاتب تأويل جميل و متكافئ لمعنى القوامة في الآية  "الرجال قوامون على النساء" ... ـ
ـ10ـ نظرية الكانب القرآنية في الفن و الجمال لا تدع مجالا لتحريم أي شكل من أشكال الإبداع الفني الإنساني الراقي

أما في الخاتمة فيتطرق الكانب إلى مسألة العلمانية و كونها تتنافى مع الرسالة الإسلامية الشاملة للكثير من مناحي الحياة. ثم تحدث عن مقومات الدولة العربية الإسلامية و كونها بعيدة كل البعد عن شعارات "دستورنا القرآن" أو "تطبيق الشريعة" بمفهومها الخاطئ السائد حاليا. أما الميزان الحق، في رأي الكاتب, لمعرفة إسلامية أمر من الأمور هو استيغاؤه لشرطين اثنين : عدم مجاوزة الحدود (كما عرفها المؤلف) و الإلتزام بالعدالة المبنية على بيانات مادية إحصائية. كما تطرق الكاتب في الخاتمة إلى العقل العربي الذي يصفه ب"الإتصالي" وعزا تخلفنا بلداننا العربية إلى غياب نظرية معرفية إسلامية لدينا.ـ

 ـ 2) مقاربة نقدية : ـ

أولا أود أن أوضح أنني لست باحثا في اللغة و لا أملك الأدوات اللسانية لمناقشة الكاتب في الأساسيات التي بنى عليها بحثه.فهاذا العمل جدير بالأساتذة و الطلبة الباحثين في الجامعات.  بالرغم من أنني لست باحثا متخصصا فإن تكويني و مهنتي في الهندسة المعلوماتية و كنت شغوفا إلى عهد قريب بالمطالعات الفلسفية و الدينية بمفهومها الواسع. من هذا الجانب و انطلاقا من حرصي على إعطاء وجهة نظري للكاتب من جهة  و للصديق الذي أقرضني الكتاب من جهة ثانية، فإنني سأدلي بدلوي في بعض المواضيع التي يطرحها الكاتب. لا أبتغي من وراء ذلك سوى تبليغ ما خالج صدري أثناء قراءتي لكتاب الدكتور شحرور بكل صدق و حسن نية. مناقشا اﻷفكار و ليس شخص الدكتور شحرور الذي أحيي فيه جرأته العلمية في زمن غلب فيه النائمون و المتعصبون. كما أحيي في اﻷستاذ، و الفقيه بحق، محمد شحرور، حرارته الدينية و غيرته على الحنيفية المحمدية التي شممتها و ذقتها من خلال صفحات الكتاب.ـ

ـ1.2ـ بحوث  مماثلة و أمل في المستقبل :ـ

إن كتاب الدكتور محمد شحرور يصب في إطار محاولات جريئة من داخل الجسم الإسلامي لنفض الغبار عن الفقه الإسلامي الذي يغط في سبات عميق. أذكر من ضمن هذه المساهمات عمل الأستاذ جمال البنا, أنظر في هذا الباب تعليقي على كتابات جمال البنا هنا. أنطر أيضا تعليقي على كتاب "قراءة في كتاب أبسمولجية المعرفة الكونية"ـ
ألاحظ أيضا أن المقاربة اللغوية لفهم و تأويل القرآن الكريم مقاربة غنية و خصبة, ليس أدل على ذلك من أن  الكثير من النتائج التي توصل إليها الكاتب حول خلق الإنسان نجدها أيضا نتيجة بحث لغوي في كتاب محمد منير إدلبي "أبناء آدم من الجن و الشياطين".  أما تفسير "النبي الأمي" التي جاء بها الدكتور شحرور فهي نفسها التي دافع عنها المرحوم الدكتور محمد عابد الجابري في أحد آخر مؤلفاته "مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول، في التعريف بالقرآن" (مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى 2006). ـ

بالطبع هذه فقط المقاربات التي اطلعت عليها و تحضرني الآن و لا شك أن هناك محاولات جريئة أخرى. هذا الزخم ظاهرة صحية في الجسم اﻹسلامي  و لا بد أن يؤدي إلى نتائج طيبة خصوصا إذا تكرست المقاربة المنهجية العلمية التي تميز بها عمل الدكتور شحرور و الذي يمثل في رأيي طفرة نوعية في هذا المجال.ـ


ـ2.2ـ في جدوى اللجوء إلى التوابع في الرياضيات و مسألة الإرث  :ـ

لم أفهم الفائدة من إقحام التوابع الرياضية (الدوال العددية) في البحث. بالطبع شيء جميل أن نقيم توازيا بين بعض المعاني الفقهية و بعض الأدوات الرياضية. هذا جانب فني و جمالي فقط، أما من الناحية العلمية الإجرائية لا فائدة من إدخال التوابع في موضوع الكتاب. فمن الناجية الرياضية إن أردت التعبير عن تغير "تابع" مثل مقدار الإرث بين حد أدنى و آخر أعلى فإنني أعبر عنه بالكتابة الرياضية للمجالات، مثلا
[1/3 , 2/3]  ; [1/2 , 1[   ...
هذه كتابة مقتضبة، معبرة، سهلة و كافية. لا يخفى على الدكتور شحرور أن كل ما هو زائد عن الضروري في الرياضيات فلا فائدة من استعماله أبدا، بل إن ضره أكثر من نفعه. و هذا اﻷمر واضح جدا في اﻷمر الذي يهمنا الآن. مثلا قد يكون هناك إنسان متمكن من اللغة العربية و يمكنه أن يغنينا في التحلبل اللغوي لآية الإرث و هب أن هذا الإنسان لم يدرس أبدا التحليل الرياضي و يعرف فقط الحساب و الرياضيات البسيطة. عندما يرى هذا الإنسان الكتاب يتحدث عن الحدود الرياضية اللانهائية و عن الإشتقاق الأول الذي يعني صفره حدا أفقيا ... عندما يقرأ المسكين كل هذا إما أن يأكله الحسد أو اﻷسى لعدم فهمه ما يقرأ فيبدأ في انتقاد غير منطقي ﻷنه نابع من قلب غير سليم و إما أن يستسلم و يقول مع نفسه أن هذا اﻷمر فوق مستواه و لا طاقة له بفهمه فكيف يناقشه ؟ و في كلتا الحالتين نكون قد أضعنا فرصة مشاركة لغوي متمكن، في نقاش الجانب اللغوي فيه أهم بكثير من الجانب الرياضي. إذ كل ما نحتاجه حقيقة من الرياضيات في حدود الإرث هو تلك المقارنات البسيطة "أصغر من" ، "أكبر من" أو " بين و بين". أليس هذا مؤسفا؟

هذا من الناحية الشكلية أما في صلب موضوع الإرث مثلا فإنني لا أجد في آيات الإرث في سورة النساء لا حدا أدنى و لا حدا أعلى. ما هو اللفظ القرآني الذي استشف فيه الكاتب أن هناك حدودا دنيا أو عليا ؟ لم أجده شخصيا رغم إعادة قراءتي للنص. مثلا في تأويل آية الربا هناك كلمة "أضعافا" تجعلنا نفكر في متغير يأخذ قيمته في المجال 2 أي الضعف فما فوق. أما آيات الإرث فلم أجد شيئا من ذلك. إذن يبقى تأويل الكاتب للحدود في آيات الإرث تأويلايطبعه الجانب العاطفي الذي يريد أن يرى في آيات الإرث متغيرا و مجالا للإجتهاد بينما لا أجد أنا شخصيا شيئا من ذلك. بالطبع أنا متفق عاطفيا 100 في 100 مع النتيجة التي توصل إلبها الكاتب و التي مفادها أن من حق المرأة أن يكون لها نصيب يعادل أو أحيانا يفوق نصيب الرجل أو ينقص عنه حسب الظروف، لكنني لست مقتنعا ببرهنة الكاتب عن هذا الإجتهاد. لكن العاطفة شيء و البرهان أمر آخر ... ـ

ـ3.2ـ في موضوع مكانة المرأة و مواضيع أخرى  :ـ

كم أعجبني تأويل آية "زين للناس حب الشهوات ..."  في سورة آل عمران و كم أحببت تأويل "اضربوهن" في سورة النساء و كم أحزنني إخراج الخمر من دائرة المحرمات و كم أضحكني بل أبكاني الحديث عن "الجيوب" المخفية للمرأة و كم آلمني تحذير الكاتب في الخاتمة من أن الله "يكيد" لكل من يخترق حدوده...ـ

لا أود أن أدخل في تفاصيل منطقية في هذا الباب بل أكتفي بعرض إحساسي المذكور أعلاه و أضيف قائلا :ـ

اـ إن الله سبحانه و تعالى الذي أحبه و أجله و أقدسه أعلى من أن يدخل في تفاصيل اللباس و العورة و الأكل و الشرب  و أن الإنسان بلغ حدا من التطور يمكنه البحث و البث في هذه الأمور  بعقله

بـ إن "الفتنة" بمفهومها السائد هي من اختراع فقهاء من زمن غابر،  نكن لهم كامل الحب و الإمتنان لما قاموا به في زمنهم. أما مجتمعاتنا الحاضرة فلا علاقة لفقههم بها.ـ

جـ إن الله تعالى و إن كان من أسمائه "المنتقم" فإنه بحبه و رحمته أعلى من أن يكيد أو  ينتقم لحدود لم يتفق البشر على تأويلها و تحديدها.ـ


ـ4.2ـ الإسلام صالح لكل زمان و مكان  :ـ

هذه مقولة سمعناها و قرأناها في كل مكان و في هذا الكتاب لا يكتفي الدكتور بقولها بل يحاول أن يبرهن عليها عن طريق خلق منظومة فكرية يستنتج من خلالها فقها لا يتنافى و قيم الحرية و المساواة السائدة في الغرب. و بالتالي فالإسلام قابل للتطبيق في الغرب ... و في كل مكان.   لا أتفق بتاتا مع هذه المقولة و أود فقط أن أطرح بعض الملاحظات :ـ

اـ  إن أهل كل دين فيهم العلماء و الفلاسفة و المفكرون و معظمهم بل كلهم يبرهنون "بالأدلة  العلمية القاطعة" على أن منظومتهم العقدية صحيحة و أن دينهم خير دين. كل يعتقد يقينا أنه على حق قطعا و أن غيره على باطل.ـ

بـ كيف يكون الإسلام صالحا لكل مكان و زمان و القرآن لا ذكر فيه  لديانات و شعوب لها ديانات و حضارات تجاوز عمرها الخمسة آلاف سنة ؟  إن شجرة اﻷنبياء و الرسل التي في الكتاب لا مكان فيها لبوذا و كريشنا و ماهافيرا و لاوتسو و غيرهم من مؤسسي الديانات الهندية و الصينية. إن القرآن الكريم يتكلم عن النصارى و اليهود و بعض الشعوب الذين عاشوا في الجزيرة العربية و الشرق اﻷوسط و لا يتكلم أبدا عن ديانات و شخصيات فذة لا تقل قيمة عن موسى و عيسى و صالح عليهم السلام. ألم يقل القرآن الكريم "و رسلا لم نقصصهم عليك"  ؟ أفلا يناقض هذا عالمية الإسلام كما نفهمها و ندافع عنها نحن؟

جـ لا فضل لعربي على عجمي و لا لأبيض على أسود و لا  لمسلم على مسيحي و لا لمسيحي على يهودي و لا ليهودي على بوذي و لا لبوذي على زردشتي و لا لزردشتي على ملحد إلا ... باﻷخلاق الإنسانية النبيلة. هكذا أفهم مقولة الرسول صلى الله عليه و سلم و كل آية أو حديث لا يسير في هذا السياق بجب إعادة قراءته و تأويله. كون الإسلام صالحا لكل زمان و مكان لا يمكن أن يكون سوى باحترام كل عقيدة أو دين في كل زمان و مكان. فقلب الإسلام رحب يتسع لكل ملة و دين و لا يجبر أحدا على احترام حدوده و اتباع أوامره و اجتناب نواهيه. بإمكان أي شخص أن يدخل الجنة ما دام عضوا صالحا في المجتمع لا يضر بأي شخص و لا يعتدي على حريته. هذا هو الإسلام الشامل الصالح لكل زمان و مكان أما غير ذلك فأظنه من باب الأماني الفارغة.ـ

 ـ 3) و بعد ... : ـ

إن كتاب الدكتور محمد شحرور بحث علمي فذ و غير مسبوق في كثير من جوانبه و يسهم حقا و فعلا في تطوير الفقه الإسلامي و نفض ليس الغبار بل الطبقات الرسوبية عنه ! ـ

لكن لئن بدا عمل الدكتور شحرور هذا عملا ثوريا بالمقارنة مع واقعنا الحاضر، فإنه في نظري لا زال غير كاف و لن يكون أي عمل تجديدي في الدين  كافيا ما لم تتوفر فيه الشروط الآتية  :ـ

اـ أن يرجع بالدين إلى مجاله الطبيعي في العلاقة الحميمية بين الإنسان و ربه و تلك العلاقة اﻷخوية  بين كل البشر القائمة على الحب و الإحترام المطلق لحرياتهم و عقائدهم و إن كانت هشة

بـ أن يتخلي نهائيا عن فكرة الحدود الدينية سواء في اﻷمور الخاصة كالمأكل و المشرب و علاقة الرجل و المرأة و ما شابه ذلك أو في الشؤون العامة كالإقتصاد و المعاملات التجارية. أما اﻷمور الخاصة فتترك لتقدير كل انسان مع ممارسة حريته الكاملة. أما الشؤون العامة فتترك ﻷحدث ما توصل إليه الفكر البشري في تسيير الشأن العام مع ترك المجال مفتوحا للتطوير و الإبتكار بدون قيد أو شرط، سوى مصلحة الإنسان، كل الإنسان من غير تمييز، في مجاله البيئي الذي لا يعرف حدودا سياسية.ـ

جـ أن يوسع مفهوم العبادة و يدخل فيه كل مجالات الإبداع الفني الراقي و يعتبر كل عمل مهما كان شكله  ينشد به الإنسان تجاوز محدوديته و الإقتراب من المطلق هو من صلب العبادة. غني عن الذكر أنه بهذا  المفهوم تصبح العبادات التي قررها الإسلام جزءا من العبادة و ليست كل العبادة، لا مفروضة و لا ممنوعة ...ـ

دـ أن يتخلى نهائيا عن كل المعتقدات الغيبية كالجنة و النار و عذاب القير و القيامة و البعث و الملائكة و يترك كل ذلك للتجربة الإنسانية.

لا أقصد بالتجربة الإنسانية أعلاه  التجارب العلمية في الفيزياء و الكيمياء أو المجالات المادية الأخرى بل أقصد التجارب النفسية و الروحية التي يحدثنا عنها المتصوفون من كل مكان. فقديما سُمم سقراط و صلب عيسى و  قال الحبيب محمد عليه السلام لحارثة "يا حارثة عرفت فالزم" أي الزم الصمت  خوفا على الناس من الفتنة و بعده لزم الصمت صوفي و عالم جليل كأبي حامد الغزالي و قال في عدة صفحات من كتبه "لم يرخص لنا المصطفى  عليه السلام في البوح بهذا" أما أبو منصور الحلاج فهزه الوجد و خانه النطق و لم يلزم الصمت فقتل متهما بالردة أما العالم الرياضي و الصوفي عمر الخيام فجلد مُتهما بالزندقة و صمت ... ثم قال شعرا لا زلنا نتغنى به و إن كنا لا نعي كل ما يقول. أظن أن البشرية بلغت درجة من النطور يمكنها أن تفهم بل تجرب ما قاله الحكماء و المتصوفون منذ ـآلاف السنين انطلاقا من بوذا و مَنْ قبله و مرورا بسقراط و موسى و عيسى  و الحبيب المصطفى عليه السلام و كثيرون عاشوا و يعيشون بين ظهرانينا ... "منهم من قصصنا  و منهم من لم نقصص عليك" ... إذا استوعبنا و جربنا ما يقوله هؤلاء الحكماء فسينتفي الإبمان بالغيب و يحل محله شهود الغيب  "ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء على الناس" ـسورة الحج، آية 78ـ